غياب الرؤية والتخطيط سبب تراجع المسرح
معاناة كبيرة شهدتها الساحة المسرحية منذ وقت طويل، انتظر خلالها المبدعون من يمد لهم يد العون، ويعيد للمسرح القطري اعتباره بعد أن ألمّ به العديد من أسباب الفشل والتأخر عن ركب من سبقوهم، وفي كل عام كانوا يُمنّون النفس بأن القادم أفضل، إلى أن ازدادت الإحباطات. ورغم الملاحظات والمآخذ التي كانوا يبدونها دائمًا بهدف إلهام القائمين على المسرح لإصلاحه إلا أن الأزمة استمرت في التفاقم، حتى وصل الحال للتوقف النهائي.
ومن هنا بدا العديد من التساؤلات المشروعة حول أسباب هذا التوقف، ولعل أبرز ما أثار ذلك اللغط هو عدم رد المسؤولين وطمأنة المسرحيين بشأن مخاوفهم، ومن أجل هذا واصلت الراية استقبال آراء الفنانين وتعليقاتهم على عدد من القضايا التي تؤرق كل من يهتم بالمشهد المسرحي، حيث أكدوا بدورهم أن العلاج دائمًا ما يكون بيد المسؤولين الذين عليهم إيجاد حلول مغايرة لتلك التقليدية التي لم تفلح في علاج أوجاع المسرح منذ عقود، واستمروا في تقديم مقترحاتهم على أمل أن يستمعوا لصدى أصواتهم على الأقل.
خالد زيارة: التوقف كان فرصة مثالية لإعادة ترتيب البيت من الداخل.
الكاتب خالد زيارة أكد على أن توقف الحراك المسرحي أمر غير مبرر في وقت عادت فيه الحياة إلى كل أشكال الفنون، وقال أن فترة التوقف كانت هناك فرصة ذهبية لإعادة ترتيب البيت من الداخل، ولذلك تمنى لو كان مركز شؤون المسرح قد استطاع استثمار تلك الفترة بوضع الخطط والاستراتيجيات التي تؤسس لعودة المسرح على نحو افضل مما كان عليه، ورأى أن معالجة إشكاليات الحركة المسرحية يجب ان تبدأ من تنشيط دور الفرق الاهلية التي تنفق وزارة الثقافة والرياضة مبالغ مادية سنويا نظير توفير مقرات لها، ومع ذلك لا تقوم بتقديم أي أعمال مسرحية ما يجعل تلك المبالغ مهدرة وبدون عائد، وأكد على ان غياب الرؤية هو المعطل الأساسي لتطوير قطاع المسرح مشدداً على أهمية ان تتبنى وزارة الثقافة برنامجاً واضحاً يدعم الفنانين ويضمن لهم تقديم إبداعاتهم على مدار العام، مع ضرورة العمل على اشراك الفرق المسرحية في المهرجانات الدولية وإحداث حالة من الاحتكاك الفني خارجيا وإقامة الورش والدورات الفنية لتطوير الأدوات الفنية للشباب وتأهيلهم. كما طالب كذلك بعودة مهرجان المسرح المحلي الذي رأى ان إيقافه يمنع استمرارية الموسم المسرحي مشيرا إلى أن ذلك الأمر غير منطقي، وأكد على أننه لا تعارض بين الموسم والمهرجان، حيث تحتاج الساحة المسرحية لكليهما، وأوصى بأهمية إطلاق يد المبدع وعدم الحد من حريته بتقييده بأشكال معينة من المسرح، كما أكد على أن أحد اهم وابرز أسباب تأخر المسرح القطري هو غياب آلية صناعة النجوم بسبب قلة الإنتاج الدرامي.
أحمد المفتاح: النهوض بالمسرح يحتاج لتكاتف المسؤولين والفنانين.
من جانبه أكد الفنان أحمد المفتاح ضرورة انتهاج الحركة المسرحية القطرية لخطة واضحة وحذرة نحو العودة التدريجية للمسرح والعمل على إعادة الثقة ما بين المسرح وجمهوره، وقال: لا بد من الحركة والمبادرة والتفاعل، وما زلنا في مراحل أخذ الاحتياطات والاحترازات الصحية والطبية والتي صارت جزءًا هامًا من حياتنا، لكن الأمور سوف تتغير، وعلى ذلك لا بد ألا نتوقف بحيث تتم العودة بحذر. وأكد أن المسرح يحتاج لتكاتف المسؤولين والفنانين معًا للنهوض والارتقاء، ولفت إلى أن الجميع ملامون في أزمة المسرح القطري، وخلال هذه المرحلة لا بد من وقفة مع الذات ومع الآخر للوصول إلى حل جذري يعيد البوصلة لاتجاهها التي كانت عليه مع الاستفادة من سلبيات المراحل السابقة وتلافيها والبناء على الإيجابيات والعمل على تطويرها وتحسينها. وأشاد المفتاح بالدور الذي لعبه الفنانون خلال فترة الأزمة ووصف التجارب التي تم تقديمها في هيئة مبادرات تسعى للتفاعل مع الجمهور عبر وسائل التواصل الحديثة بكونها جيدة نوعًا ما، لكنه رأى أنها باهتة إذا ما تمت مقارنتها بالمسرح في شكله الحقيقي والذي يتميز بعلاقة حية ومباشرة مع الجمهور، كما دعا الفنان أحمد المفتاح للعودة إلى تقديم كل أشكال المسرح دون استثناء، مؤكدًا أن المسرح قديمًا وحديثًا تنوع واختلف وتغير، والجمهور هو من يحكم في النهاية، وقال في يد الإنسان الواحدة خمس أصابع، كل إصبع له حجم مخالف لمن يجاوره ويلتصق به، وكذلك المسرح له اتجاهات وأنواع ومدارس مختلفة ومتباينة.
مشعل جاسم: الفنانون قدموا كل ما لديهم وننتظر دور المسؤولين.
أكد الفنان مشعل جاسم أن المسرحيين ينتظرون إجابات المسؤولين بشأن شكل وطبيعة المسرح بعد عودته، مؤكدًا أن الكثير من الأطروحات التي تم تقديمها من خلال الراية تحتاج إلى توضيحات من القائمين على المسرح، وأكد أن الفنانين قدموا كل ما يمكن تقديمه من جهود ذاتية خلال فترة التوقف، إلا أن عودة الحياة المسرحية إلى طبيعتها تحتاج إلى العمل عليها من قِبل المسؤولين، وفي حال أي تراجع تشهده الساحة المسرحية لا يمكن إلقاء أي لوم على الفنانين الذين قدموا كل ما عليهم.
مشيرًا إلى أن هناك الكثير من الأمور التنظيمية التي ينتظرها الشباب المسرحيون الذين هم بحاجة دائمة لمن يدعمهم على كافة المستويات، وقال إن أولى وسائل الدعم تتمثل في عقد الكثير من الورش والدورات التدريبية التي يقدمها متخصصون على أعلى المستويات وهو ما سيساهم في تعريف الفنان بكافة أدواته خاصة لمن لم يتخصصوا في دراسة المسرح أو يلتحقوا لتعلمه أكاديميًا، ومن لم يحظوا كذلك بفرصة الاحتكاك الفني على نحو كبير من خلال المشاركة في الكثير من الأعمال، وأكد جاسم أن عودة المهرجانات والمسابقات أصبحت أمرًا ضروريًا لإثراء الساحة بالحراك الفني، خاصة مهرجان المسرح الشبابي الذي رأى أنه يمكنه إحداث حالة من المنافسة بين شباب الفنانين وتحفيزهم على تقديم المزيد من الجهد ومواصلة المشوار الإبداعي.
محمد عادل: ابتعاد الفنانين عن الخشبة يفقدهم لياقتهم.
دعا الفنان محمد عادل الشرشني إلى وضع إستراتيجية وخطة مستقبلية للنهوض بالمسرح وتكاتف جميع الجهات المعنية للنهوض به، مشيرًا إلى أن توقف المسرح خلال ما يقرب من عام كامل وابتعاد الفنانين عن الخشبة أمر يفقدهم لياقتهم الإبداعية وإضعاف قدراتهم، وعلى ذلك طالب بإعادة الحياة من جديد إلى خشبات المسارح في قطر وذلك بعدما عادت الفعاليات والأنشطة الثقافية بكل مجالاتها مطبقة للإجراءات الاحترازية، فالساحة التشكيلية أصبحت تشهد الكثير من المعارض الحية، كما أن دور السينما فتحت قاعاتها للجمهور، إلى جانب الحفلات الغنائية، وغيرهما الكثير، وأكد أن فترة التوقف التي شهدها المسرح أثناء فترة الجائحة كان لا بد لها أن تشي بشيء، وأضاف: ربما يكون هذا الأمر هو ما حدث تمامًا إلا أن الفنانين بحاجة إلى من يطمئنهم ويؤكد لهم أن هناك من يضع الخطط الجيدة لصالحهم. حيث إن تلك الفترة كانت لا بد أن تشهد العمل على إقامة بنية تحتية سليمة ووضع خطط وإستراتيجيات من شأنها تطوير المسرح، ونوه إلى أن هناك العديد من المسلمات التي يجب أن يتم العمل عليها من أجل إعادة الاعتبار للمسرح، منها إحياء المسرح والاهتمام بتقديم الدورات والورش الفنية لصقل المواهب وإخراج الطاقات الإبداعية.
مشيرًا إلى أن الشباب لديهم أفكار وأعمال جميلة وبحاجة إلى من يأخذ بأيديهم للخروج من النفق المظلم، إلا أن الكثير من تلك المواهب باتت مهدرة سواء كانوا ممثلين أم كتابًا أم مخرجين.
كلمات مفتاحية:
المسرح القطري