صاحب السمو: المونديال أحد أهم مشاريعنا الوطنية
سموه افتتح دور الانعقاد العادي الثاني للشورى بخطاب تاريخي
صاحب السمو: المونديال أحد أهم مشاريعنا الوطنية
تفضَّل حضرةُ صاحبِ السُّموِّ الشَّيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفدَّى، فشملَ برعايتِه الكريمةِ افتتاحَ دورِ الانعقادِ العادي الثَّاني من الفصل التَّشريعي الأوَّل، الموافق لدور الانعقاد السنوي الحادي والخمسين لمجلس الشُّورى، بقاعة تميم بن حمد بمقرِّ المجلس صباحَ أمس.
حضرَ الافتتاحَ صاحبُ السُّموِّ الأمير الوالد الشَّيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وسموُّ الشَّيخ جاسم بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي للأمير، وسموُّ الشَّيخ عبدالله بن خليفة آل ثاني، وسموُّ الشَّيخ محمد بن خليفة آل ثاني، وسعادةُ الشَّيخ جاسم بن خليفة آل ثاني.
كما حضرَ الافتتاح معالي الشَّيخ خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الداخليَّة، وعدد من أصحاب السَّعادة الشُّيوخ والوزراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية المُعتمدين لدى الدولة والأعيان.
وألقَى سموُّ أمير البلاد المُفدَّى «حفظه الله» خطابًا بهذه المُناسبة، وفيما يلي نصُّه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة والأخوات أعضاء مجلس الشورى،
يسعدني أن ألتقيَ بِكُم في بداية دور الانعقاد السنوي لمجلسكم الموقر، كما أقدّر تمامَ التقدير ما تبذلونه من جهدٍ في مسيرتنا الوطنيَّة بالرأي الصائب والرعاية الكاملة لمقتضيات الصالح العام والعمل الحكومي.
يتميزُ لقاؤُنا اليومَ في أنَّه ينعقد في ظل انشغال الدولة والشَّعب في التحضير لاستضافة حدث تاريخي يشكل أحد أهم مشاريعنا الوطنية، وهو كأس العالم. ويظهر الاهتمام العالمي بهذه المُناسبة وبالبلد المضيف مدى أهمية هذا الحدث لبلادنا. إنه أهم حدث رياضي، ولكنه ليس حدثًا رياضيًا فقط، بل هو مناسبة إنسانية كُبرى.
الإخوة والأخوات،
لا يزال الشأن الاقتصادي هو الشاغل الأكبر لدول العالم كافة، إذ ما كادت الآثار الاقتصادية السلبية التي ألحقتها جائحة كورونا باقتصاديات الدول تبدأ في الانحسار، حتى جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية لتصيب الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية بأضرار تزداد تفاقمًا يومًا بعد يوم.
ونحمد الله أننا كنا في مقدمة الدول التي نجحت، بما اتخذته من إجراءات على المستوى الوطني في التعامل مع تلك الآثار السلبية والتخفيف منها، ليس على المستوى الحكومي والقطاع العام فحسب، بل أيضًا على مستوى إيلاء الاهتمام للقطاع الخاص.
لقد واصل الاقتصاد القطري النمو خلال العام الجاري، بعد التراجع الذي حدث عام 2020. حيث تشير البيانات الأولية إلى نمو الناتج المحلي خلال النصف الأول من العام بنسبة 4.3 بالمئة مدعومًا بنمو القطاع غير النفطي بنسبة 7.3 بالمئة مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق.
وأدَّى الارتفاعُ في أسعارِ الطَّاقة إلى تحويل عجز الموازنة المتوقع في بداية العام إلى فائض بنحو 47.3 مليار ريال في النصف الأوَّل من العام. وسيتم توجيه فائض الموازنة إلى خفض مستوى الدين العام، وزيادة الاحتياطات المالية للدولة.
وعملت قطرُ للطَّاقة على توسيع نطاق عملياتها في ستَّ عشرةَ دولة حول العالم بالشراكة مع عددٍ من كُبريات الشركات العالمية. ويعد مشروع توسعة إنتاج الغاز في حقل الشمال من أهم المشاريع الاستراتيجية التي تدعم اقتصادنا والمالية العامة للدولة على المدى الطويل.
كما تعمل قطر للطاقة أيضًا على الإسهام في توليد الطاقة المتجددة. وقد افتتحنا مؤخرًا مشروع الخرسعة للطاقة الشمسية الذي يلبي 10 بالمئة من استهلاك قطر للكهرباء.
الإخوة والأخوات،
على الرغمِ من الآثارِ الكبيرة التي سببتها الأحداث والتطورات الدولية الأخيرة على اقتصاديات العالم بأَسره، فقد ثبتت الوكالات العالمية تصنيف الاقتصاد القوي لدولة قطر، وآفاقه المستقبلية المستقرَّة.
لقد بلغَ معدلُ التضخم في قطر على أساس سنوي 4.6 % فقط في النصف الأول من العام، وأقول «فقط» لأنَّه أقل من معدلات التضخم التي نشاهدها اليوم في العديد من الدول المتقدمة، حيث حرصت الدولة على اتخاذ العديد من الإجراءات اللازمة للحد من التضخم ومنها ضمان توفير السلع الأساسية كالمواد الغذائية، ومراقبة الأسعار.
كما تبوَّأت دولة قطر، مركزًا عالميًا متقدمًا على مستوى الأمن الغذائي العالمي، وذلك نتيجة لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي من خلال العديد من المشروعات الإنتاجية الاستراتيجية.
وحرصًا من الدولة على الحفاظ على الموارد الطبيعية وتحقيق التنمية المستدامة، اعتمد البرنامج الوطني المتكامل لاستدامة الموارد وإعادة تدوير النفايات وإنشاء محطات لمعالجتها وتحويلها إلى طاقة.
ونظرًا لما اتخذته الدولة من تدابير للحفاظ على البيئة والارتقاء بجودة الحياة في المدن أصبحت دولة قطر أول دولة في العالم تحصل جميع مدنها على اعتماد من منظمة الصحة العالمية كمدن صحية.
الإخوة والأخوات،
تظلُّ التنميةُ الشاملةُ للبلاد هي الهدف الأسمى الذي تعمل الدولة على تحقيقه، وتمضي بثبات في القيام بمتطلباته على كافة الأصعدة، وَفقًا لرؤية قطر الوطنية 2030، والغايات المرجوة منها.
وتجري إعادة تنظيم الأجهزة الحكومية والهيئات والمؤسسات والشركات العامة لزيادة كفاءتها وتوافقها مع متطلبات العصر، والتوسع في استخدام الأنظمة الإلكترونية لضمان نجاعة الأداء الحكومي وتنفيذ الخطط التنموية بالكفاءة والسرعة اللازمتَين والتيسير على المواطنين في الأنشطة والخدمات.
كما شهدت بلادنا نهضةً تشريعيةً استكملت بموجبها قوانين أساسيَّة تنظم مختلفَ أوجه الحياة والمُعاملات في الدولة.
ويأتي تطويرُ أنظمة العدالة في مقدِّمة أولوياتنا، لتحقيقِ العدالة الناجزة التي لا غنى عنها لاستقرار المعاملات، وكفالة الحقوق، فالعدالةُ البطيئةُ، كما ذكرت سابقًا في هذا المجلس الموقَّر، هي نوع من الظُّلم.
وفي هذا الإطار، أُعدت حزمة من التشريعات الهامة، من بينها قانون التنفيذ القضائي، وقانون المرافعات المدنيَّة والتِّجارية وقانون الإجراءات الجنائية وقانون السلطة القضائية وقانون النيابة العامة، والتي ستحال إلى مجلسِكم الموقر تباعًا.
كما باشرت أوَّلُ محكمة متخصصة عملها، وهي محكمة الاستثمار والتِّجارة التي تعتمد النظامَ الإلكتروني الكامل في جميع معاملاتها، وتعدُّ إضافةً من شأنها أن تسهم في تعزيز المناخ الاستثماري في الدولة.
الإخوة والأخوات،
لقد أنجزت مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية المرتبطة بالخُطة العمرانية خلال السنوات الماضية. وأمامنا عمل كثير على مستوى المشروعات الاقتصادية التي تلائم دولة قطر وتمنحها ميزةً.
وسوف تعمل الدولة على تركيز الإنفاق العام على مشاريع وبرامج استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة، ودعم القطاعات الحيوية ذات العائد الاقتصادي الأعلى، بالإضافة إلى الاستثمار في تحسين البنية التحتية.
كما سوف نعمل على تنويع مصادر الإيرادات العامة لتحقيق الاستدامة المالية حتى لا تبقى الموازنة العامة عرضة لمخاطر تقلبات أسعار الطاقة.
وفي هذا الإطار، أطلقَ برنامج القيمة المحلية المضافة الذي يُعطي أفضلية في المناقصات والعطاءات للشركات التي تعتمد على الاقتصاد المحلي بصورة أكبر من غيرها في توريدِ السلعِ والخِدمات للقطاع العام.
وفي هذا المجال يجبُ التغلبُ على العقبات البيروقراطية، وتعقيد الإجراءات والتضارب بينها، وسدّ الثغرات القانونية التي تشكل عقبة أمام الاستثمار والمبادرات الاقتصادية وإنشاء المشاريع في الداخل والخارج.
ونظرًا للأهمية الفائقة التي توليها الدولة لمشاركة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، تسعى الجهات المختصة إلى تفعيل بنود قانون تنظيم الشراكة بين القطاعَين الحكومي والخاص في جميع المشاريع ذات العلاقة، بما في ذلك المنشآت الصحية والتعليمية والسياحية.
كما تعمل الدولة على تعديل التشريعات المنظمة للاستثمار الأجنبي لإزالة المعوقات التي تواجه ذلك الاستثمار، وإبراز قطر على الصعيد الدولي كحاضنة للاستثمار الدولي المباشر وتحسين بيئة الاستثمار، وذلك بالإضافة إلى فتح المجال لمواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بممارسة أنشطة جديدة لخدمات الشحن والدعاية والإعلان وتداول الأسهم وتأسيس الشركات.
هذه سياسة عامة للدولة، ومثل كل السياسات العامة يفترض أن ينفذَها الجميع كلٌّ من موقعه. حينما نُقرُّ توجهًا ما فيما يتعلق بالتنمية البشرية من صحة وتعليم وغيرها أو في الاقتصاد، مثلًا بتطوير المُبادرات في التكنولوجيا أو السياحة أو غيرها من المجالات يجب أن يكون واضحًا أن مؤسَّسات الدولة تعمل بوصفها فريقًا واحدًا في خدمة الهدف نفسه.
سوف يتواصلُ العملُ على تطوير قطاع الطاقة، وتنويع الاستثمارات للأجيال القادمة، وبناء القطاعات الاقتصادية التنافسية المختلفة، والاهتمام بسلامة البيئة.
وتبقى المهمةُ الرئيسة هي العمل على بناء الإنسان، المواطن المسؤول القادر على أن يكون ركيزةً لهذا كله، والذي يعرف واجباته الوطنيَّة وحقوقه، ويعرف قيمة ما لديه، ويتطلع إلى ما يتجاوز القيم المادية الاستهلاكيَّة، ويقدم الجوهر على المظهر، ويفهم أنَّ الدين أخلاق قبل كل شيء، ويدرك أن المبادرة والعمل أفضل من الاتكاليَّة التي تجر التذمر والشكوى، وأن النقد مفيد فقط إذا كان قائمًا على معلومة صحيحة وعلى فهم للسياقات، ويقدر دور كل من يعمل في هذا البلد.
إنَّ نهجنا الذي اتبعناه على الدوام في سياستنا الخارجية والقائم على الالتزام بالقانون الدولي وحماية مكتسباتنا الوطنية وانتهاج الدبلوماسية الوقائية في نزع فتيل الأزمات قبل استفحالها، وما حققناه من نتائج إيجابية في هذا الصدد، يحتم علينا أن يكون دورنا فاعلًا ومسؤولًا في منطقتنا وعلى مستوى العالم.
إنَّ الالتزام بهذه المبادئ وتطبيقها، جعل من قطر شريكًا يعتد به في صناعة السلام ودعم الاستقرار.
ومن هذا المنطلق فإننا نبذل ما بوسعنا للمساهمة في معالجة أزمة نقص موارد الطاقة عالميًا بالتشاور مع شركائنا، وسيكون لخططنا الاستراتيجية، ومن بينها توسعة حقل غاز الشمال، أثر كبير في التخفيف من تداعيات هذه الأزمة على المديين القصير والمتوسط.
في الظُّروف الدولية المعقدة تحافظ قطر على توازنها الإيجابي بين مبادئها ومصالحها، الأمر الذي أكسبها احترامًا مشهودًا.
يتطلب بناء المصداقية اقتصادًا قويًا ومجتمعًا متماسكًا، ونهجًا حكيمًا ومثابرًا في العلاقات الدولية، كما يتطلب الوفاء بالالتزامات، بما في ذلك على مستوى مسؤوليتنا كمنتجين ومصدرين للطاقة ومستثمرين، وأيضًا تلبية ما يتوقعه منا المجتمع الدولي، وقبل ذلك ما نتوقعه من أنفسنا، على مستوى المواقف الأخلاقية والتضامن وتقديم المعونات الإنسانية.
سوف، نواصلُ تعزيزَ مصادر قوتنا وبناء قدراتنا في مجالات مثل، الإعلام المهني والتعليم العالي وإنتاج المعرفة، والاستثمار والوساطة لحل الصراعات بين الدول، واستضافة المناسبات العالمية الكُبرى.
الإخوة والأخوات،
منذ أن نلنا شرف استضافة كأس العالم تعرضت قطر إلى حملة غير مسبوقة لم يتعرض لها أي بلد مضيف. وقد تعاملنا مع الأمر بدايةً بحسن نية، بل واعتبرنا أن بعض النقد إيجابي ومفيد، يساعدنا على تطوير جوانب لدينا تحتاج إلى تطوير. ولكن ما لبث أن تبين لنا أن الحملة تتواصل وتتسع وتتضمن افتراءات وازدواجية معايير حتى بلغت من الضراوة مبلغًا جعل العديد يتساءلون للأسف عن الأسباب والدوافع الحقيقية من وراء هذه الحملة.
تجمع استضافة كأس العالم بين عناصر عدة من مكونات المصداقية والقدرة على التأثير الإيجابي، وذلك بقبول التحدي وإدماجه ضمن مشاريعنا الوطنية وخطط التنمية، وأيضًا على مستوى القدرات الاقتصادية والأمنية والإدارية، وعلى مستوى الانفتاح الحضاري والثقافي.
إنها باختصار مناسبة نظهر فيها «من نحن» ليس فقط لناحية قوة اقتصادنا ومؤسساتنا، بل أيضًا على مستوى هُويتنا الحضارية.
هذا امتحان كبير لدولة بحجم قطر، التي تثير إعجاب العالم أجمع بما حققته وتحققه. لقد قبلنا هذا التحدي إيمانًا بقدرتنا -نحن القطريين- على التصدي للمهمة وإنجاحها، وإدراكًا منا لأهمية استضافة حدث كبير مثل كأس العالم في الوطن العربي.
وقطر حاليًا أشبه بورشة عمل من التحضير والتجهيز للمناسبة، ينخرط فيها القطريون والمقيمون. وقد وضعت دول شقيقة وصديقة مشكورة إمكانياتها تحت تصرفنا. وهذه أصلًا من أهداف مثل هذه المناسبات التي تحض على التعاون والتآخي وتبادل الخبرات، وتجمع ولا تفرق، فهي بطولة للجميع ونجاحها نجاح للجميع.
وأخيرًا لنواصل العمل كلٌ من موقعه لرفع اسم الوطن عاليًا، ولنفتح أذرعنا للترحيب بالجميع ليشهد العالم ضيافة القطريين وكرمهم.
«وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ». صدق الله العظيم.
أتمنى لكم فصلًا تشريعيًا موفقًا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.